-->

معنى ارفاق وثيقة تبليغ الامر بالاداء باصل سند الدين

معنى ارفاق وثيقة تبليغ الامر بالاداء باصل سند الدين

الأستاذ رشيد مشقاقة


يتصرف دور العمل القضائي في مجال تفسير النصوص إلى استنكاه ارادة المشرع، وغالبا ما تتلبد سماء تلك الإرادة متى كان النص غامضا، اما لركاكة في التعبير أو سوء في الترجمة، او اغفال واضح،  ولعل  عددا لا يستهان به من رجال القانون يتساءلون عن الغاية من استلزام إرفاق وثيقة تبليغ الامر بالاداء  لسند  الدين،  اذ جاء الفصل161 من قانون المسطرة المدنية ما يلي :

 " تشتمل وثيقة التبليغ على نسخة من المقال وسند  الدين والامر بالاداء  وانذار المدين بوجوب تسديد مجموع مبلغ الدين والصوائر …. " مرد استفسار رجل القانون في هذا  الشان هو ان المدين متى تمكن من سند الدين اثناء تبليغ الامر بالاداء إليه بدده واضاع حقوق الدائن، وبالتالي  لم تبق لتشريع  مسطرة الامر بالاداء  غاية  الاضرار  بحقوق سالكها. وقد تعددت التفسيرات المنصبة على هذه الاشكالية كما اقترحت عدة  بدائل لاعمال  النص  اعمالا سليما في مجال المنازعات، فمن الرأي من اقتراح ارفاق وثيقة التبليغ  بصورة  مصادق عليها من  سند  الينو  حتى  لا يجرؤ المدين على تبديد اصل السند، ورغم وجاهة هذا الراي، فان ارادة  المشرع  لانصرفت  إلى  ضرورة  شمول  وثيقة التبليغ بسند المدين، ولو شاء المشرع غير ذلك لاكتفى  بالصورة المطابقة للاصل لا الاصل ذاته. ويبرر انصار هذا الراي قولهم بان إعمال النصوص في الواقع  العملي ينبغي  ان  يحتكم  إلى  المنطق، وليس من المنطق في شيء ان نمكن المدين من سند الدين والحال انه لم يف به بعد، ومن الراي  وهو راى قضائي - من ميز بين ما كان المستأنف قد تمسك بهذا الدفع ام لم يتمسك به. فاذا تمسك به، وكان مقال الاستئناف خلال الاجل القانوني، اجيب عن ذلك بعدم التقيد بالتبليغ السليم المرفق باصل سند الدين ان كان يعين مسطرة التبليغ فهو  لا يطعن في صحة الامر بالاداء، وما دام ان الطاعن قد فتح امامه باب الاستئناف خلال الاجل، فمن حقه ان يثير ما شاء من الدفوع شان الدين، اذ تلك هي وسائل الاستئناف المعتمدة من طرفه.

اما إذا كان مقال الاستئناف خارج الاجل القانوني، فان التبليغ، الغير المرفق لسند الدين يعتبر معيبا، وبالتالي يمس بمسطرة التبليغ ويكون الطاعن بذلك قد استفاد من طول الاجل لتحقق الضرر المتمثل في عدم ارفاق وثيقة التبليغ لسند الدين.

ان هذا الراي على الرغم من فعاليته التقنية التي ابتدعها لتفسير النص، فما يؤخذ عليه انه يكيل المسالة الواحدة بمكيالين مختلفين، فمرة يعتمد عنصر الضرر ويعتبر التبليغ غير قانوني ومرة  يعتبر التبليغ الغير المرفق بسند الدين غير ذي اثر على الامر بالاداء ولا يؤثر في صحة الحكم.

ان مجموع هذه الاراء لم تجب عن السؤال التالي : لماذا اوجب الفصل 161 ضرورة شمول وثيقة التبليغ على سند الدين، فلا يمكن القول بان ذلك خطا وقع فيه المشرع المغربي، بل لا بد من ان نقف على غاية المشرع من خلال القراءة الدقيقة للفصل المذكور.

وجهة نظر
 ان مسطرة الامر بالاداء ذات طابع خصوصي، وهذه الخصوصية لم تسلم منها مسطرة التبليغ  أيضا، فمعلوم ان التبليغ في قانون المسطرة المدنية على نوعين :
1.           تبليغ من اجل سلوك طريق الطعن،
2.           تبليغ من اجل التنفيذ.

فاما التبليغ من اجل سلوك طريق الطعن، فهو المنصوص عليه في الفصل 50 من قانون المسطرة المدنية الذي جاء فيه : " يبلغ  كاتب الضبط حالا عند صدور الحكم حضوريا ومعاينة حضور الأطراف أو وكلائهم بالجلسة الحكم الذي صدر ويسلم لهم نسخة من منطوق الحكم، ويشار في اخره إلى ان التبليغ والتسليم قد وقعا، ويشعر الرئيس علاوة على ذلك إذا كان الحكم  قابلا لاستئناف الأطراف أو وكلائهم بان لهم اجلا قدره ثلاثون يوما من يوم صدور الحكم للطعن فيه بالاستئناف".

فاما التبليغ من اجل التنفيذ فنص عليه الفصل 440 من نفس القانون وجاء فيه " يبلغ عون التنفيذ إلى الطرف المحكوم عليه، الحكم المكلف بتنفيذه ويحذره بان يفي  بما قضى به الحكم حالا أو لتعريفه بنواياه".
ومعلوم ان النوعين اعلاه من التبليغ مختلفان، فاذا نحن قرأنا الفصل 160 من قانون المسطرة  المدنية المتعلق بمسطرة الامر بالاداء، نجد خصوصية هذه المسطرة جعلت المشرع المغربي  يلزم المحكوم عليه بداية لتنفيذ الامر، وهو بذلك جعل التبليغ في الفصل 160 من اجل التنفيذ لا من اجل سلوك طريق الطعن، وفي هذا يجب عليه ان يدفع المبلغ المحكوم به في ظرف ثمانية أيام موالية لهذا التبليغ والا اجبر على الاداء بكل الطرق القانونية، خاصة بطريقة حجز امواله المنقولة".

 وإرادة المشرع في هذا الفصل انصرفت إلى تبليغ الامر بالاداء بقصد تنفيذه خلال اجل ثمانية أيام تحت طائلة الحجز، وهو ما حذا بالمشرع في الفصل 161 من نفس القانون إلى القول بضرورة وارفاق وثيقة التبليغ بسند الدين،  فاذا أدى المدين ما بذمته مكنه العون المبلغ من اصل سند الدين وانتهى الامر، فوثيقة التبليغ المرفقة تحت طائلة الحجز والاجبار. اما إذا  لم يرغب في الاداء بعد ان اشعره المبلغ باجل الثمانية ايام قصد الاستئناف، ففي مثل هذه الحال لا يمكنه من سند الدين، لان التبليغ من اجل سلوك طريق الطعن لا ينسجم مع تمكين المدين من ذلك السند،  وتوضيح ذلك كالاتي :

1.  يبلغ العون المحكوم عليه بالأمر بالاداء قصد اداء الدين خلال اجل ثمانية أيام تحت طائلة الحجز.
- من اجل تنفيذ الامر بالاداء ترفق وثيقة التبليغ سند الدين قصد تمكين المدين منها عند الوفاء.
- يشعر المبلغ المدين بأجل الثمانية أيام قصد الطعن دون ان يمكنه من سند الدين طالما انه لم يف بمحتواه.
- إذا طعن بالاستئناف لا موجب لادعائه بانه لم يتوصل بسند الدين ما دام استأنف الامر المذكور، اذ لا حق له في تسلمه الا إذا قبل به، ولذلك قلنا ان ارفاق وثيقة التبليغ بسند الدين هو من اجل تنفيذ الامر لا الطعن  فيه، ولا مبرر لسلوك مقتضيات الفصل 440 من قانون المسطرة المدنية لتنفيذ الامر  بالاداء، بل الذي يتعين سلوكه هو مقتضيات الفصل 160 و161 من قانون المسطرة المدنية.

ان هذا التفسير هو الذي تحقق معه الغاية من تشريع الامر بالاداء  ويكون الجواب على وسيلة الاستئناف في هذا الشان بالقول :
- ان قول المستأنف بان التبليغ لم يرفق  بسند الدين فهو باطل مردود عليه ما دام قد طعن بالاستئناف، والتبليغ من اجل الطعن في الامر لا يوجب تمكين المستأنف من سند الدين على عكس الحال تبليغ الامر بقصد تنفيذه.
على انه ينبغي من حيث التعديل فصل جزء من الفقرة التي تضمنها الفصل161 وذلك باعتبارها الفصل 167 مكرر فتصبح كالاتي :
161 مكرر : " يشعر المدين بانه إذا كان لديه وسائل الدفاع  يريد استعمالها….  ان من الواجب عليه ان يقدم الاستئناف ... ".
فاستقلال هذا الفصل عن الفصل 161 يفك الغموض الناتج عن الصياغة التي من وجهة نظرنا غير سليمة.

مجلة الإشعاع، عدد 19، ص101.
Sbek net
كاتب ومحرر اخبار اعمل في موقع القانون والقضاء المغربي .

جديد قسم : التبليغ